فى ظل عصر العولمة وما يموج به من صرعات وحروب وتيارات فكرية كثيرة مضطربة ومتناقضة، يطل قول إدوارد ديمنج ( 1900- 1993) صاحب نهضة اليابان الحديثة فى الإدارة " لا يوجد بديل عن المعرفة " نعم، المعرفة من أجل مستقبل أفضل لبلدنا مصر التى قال عنها ابن خلدون "رأيت مجمع الدنيا، ومحشر الأمم"، مصر أم الدنيا برجالها وجنودها وعقولها، فهى قادرة دائما على تغيير مجرى التاريخ والعبور للشاطىء الآخر، مهما كانت الأزمات والمهاترات، فعبقرية المكان لمصر بموقعها المتميز وتنوعه وثراءه، كما يقول جمال حمدان، جعل الآخرين عبر الزمن حتى يومنا هذا، فى محاولة دائمة للنيل منها، ولكن هيهات، تقف مصر صلدة تطل على المستقبل.
إن المتغيرات المحلية التى نواجهها، والتحولات العالمية من حولنا، تحثنا على التفكر والتأمل والإستفادة من دروس التاريخ، أتذكر هنا محاضرة قيمة – منذ بضعة سنوات بالمجلس القومى للشباب- للسيد اللواء الدكتور كمال عامر، الخبير الإسترايجى، حول شرح وتحليل ملحمة أكتوبر للشباب وذلك للوعى بدور مصر، والإنسان المصرى الذى صنع التحديات فى هذه الحرب، لأنه دئما قادراً على تغيير المسلمات، فقد ظن الأخرون أننا نحتاج القنابل الذرية للتغلب فى المعركة، ولكن الإنسان المصرى كان هو أهم أدوات النصر. لم تكن الحرب من أجل الحرب ولكن دفاعاً عن تراب الوطن والمقدسات، وحفظاً لكرامة الأمة. كيف كانت تعتمد نظرية حرب أكتوبر على قاعدة جوهرية وهى " المعرفة قيمة للتطوير والتحديث والنجاح" ولقد نجحت مصر بالفعل في إتمام عملية إعادة البناء في ست سنوات فقط متخطية في ذلك كل التقديرات الاستراتيجية، وذلك لم يكن وليد الصدفة، ولكن نتيجة الرؤية الشاملة فى التخطيط والتنفيذ على أسس علمية وعملية وواقعية، حيث شمل الاعداد "مفهوم الحرب الشاملة"، المستوى المحلى، والمستوى الإقليمى، والمستوى الدولى، من خلال العديد من المحاور، البعد السياسى الإستراتيجى، والبعد الإقتصادى، والبعد العسكرى، والبعد الإجتماعى والبعد الإعلامى. وكيف لعبت كل هذا المحاور برؤية شمولية متكاملة وبمفهوم " أن الجودة تكون فى كل شىء Total Quality Mangement "، الجودة من خلال الكفاءة فى التنفيذ، وبالإمكانيات المتاحة، وفى أسرع وقت ممكن، وليس من خلال العشوائية أو الإنطباعية أو الفهلوة والتى حذر منها العالم التربوى الجليل د. حامد عمار (1921-2014) فى الكثير من دراساته، لأنها آفة المجتمعات المتخلفة والتى تعوق حركتها للأمام، ولأن الجودة عنصر أصيل من عناصر التقدم الحضارى. لم تكن حرب أكتوبر حرباً عسكرية فقط ، وإنما لعبت الرؤية والعلم والفكر والسياسة دورا هاما في العبور بهذا الوطن إلى عالم جديد، عالم فيه العزة والكرامة، عالم يمتلىء ثقة بالنفس، عالم ينفتح على الآخرين بجوهره، وبتراثه الإنسانى العريق، حقا لقد تغير مجرى التاريخ.
ونحن الآن في عبور جديد لمجتمعنا بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، عبور للمستقبل ومواجهة لتحديات العصر بتطوير الرؤية السياسية والإقتصادية والاجتماعية والدينية، نحو التحديث والتقدم، ولكن علينا أن ندرك أيضاً، أن العبور لم ينته بعد، فعلى كل منا أن يكون جنديا فى موقعه، وأن يضع كل منا ما يملك من قدرات فى سبيل تطوير مصر، بالعمل لا بالكلام، بالوحدة لا بالفرقة، بالتعاون لا بالإختلاف، فنحن جميعا نشكل الدور الأساسي في هذا العبور، نستنهض سوياً إعلاء قيم المعرفة، والرؤية الشمولية، والجودة، فيما نقوم به، نؤدى ونعمل بضمير وإرادة وعزيمة صادقة، إن ذلك يجعل من المستحيل ممكنا،ً من أجل إزدهار هذا الوطن.